23 يناير، 2025 2:18 ص

رأي الشيخ يوسف المطلق في الرقاة !

12 نوفمبر، 2022

الشيخ يوسف المطلق

بسم الله، والحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فضيلة الشيخ “يوسف المطلق” عالم وداعية إسلامي معروف، ذو خلق عال، لين المعشر، قريب من الناس، ويسعى في خدمتهم، تتلمذ على عدد من العلماء منهم سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز وغيرهم، تخرج من كلية الشريعة عام: 1379هـ، وعمل في حقل الدعوة الى الله أكثر من خمسين سنة، وكان من زملائه في الدراسة والدعوة الشيخ عبدالرحمن الدوسري، والشيخ عبدالله بن جبرين، والشيخ عبدالرحمن بن فريان وغيرهم، كان له شهرة كبيرة في الرقى وتعبير الرؤى، استمر في نشاطه الدعوي والوعظي حتى أقعده المرض، توفي عام: 1433 عن عمر يناهز الثمانين، رحمه الله، ورحم الجميع.

لا شك أن الرقية باب من أبواب الخير، والنفع للمسلمين، وعلاج شرعي للنفوس والأبدان من كتاب الله ﷻ وسنة نبيه ﷺ، إذ القرآن هدى للمؤمنين وشفاء، وهي كذلك وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، إذ نفع الناس مجلبة لكل خير، وللراقي كذلك أجر عظيم متى صدق وأخلص، والتزم المشروع من الرقى، غير أن الإشكال أن كثيراً من ضعاف النفوس وتجار المال، استغلوا هذا الباب، فلبسوا ثياب المشايخ والدعاة، وظهروا بمظهر الصالحين التقاة، وخلطوا القرآن مع السحر؛ ليخدعوا الناس وليلبسوا عليهم دينهم. لهذا لا بد من تنبيه عامة المسلمين إلى خطر مثل هؤلاء، والتحذير منهم، نسأل الله السلامة والعافية.

ومن باب التحذير من هذه الفئة التي استغلت حاجة الناس سأعرض لرأي الشيخ يوسف رحمه الله لمكانته أولاً، ولممارسته وتجربته في هذا الباب ثانياً، إذ كان الشيخ “يوسف” رحمه الله جاراً لنا في الربوة، في فترة من الفترات، ودعا جيرانه إلى منزله ذات يوم احتفاء بهم وإكراماً، فكان فرصة لنا – نحن الجيران – أن نوجه إليه الأسئلة في موضوعات شتى، وقد كان لنا ذلك، إلا أن موضوعين اثنين استحوذا على المجلس وهما: مشروعية عمل الرقاة اليوم، لا سيما الذين تفرغوا للرقية، وافتتحوا ديوانيات واستراحات لرقية الناس، أو فتحوا بيوتهم لذات الغرض، وأيضاً موضوع تعبير الرؤى، وتَصَدُر بعض الجهلة ممن لا يحسن التعبير، أو يحسنه، لكنه خال من الورع والفقه، فيفتتن الناس به: إما لجهله بفقه تعبير الرؤى ومنهجيته، أو بإعلانه تعبيره ذاك على الملأ، دون مراعاة للمآلات، فيقع بذلك في محاذير كثيرة، شرعية واجتماعية.

وسألخص هنا بعض ما سمعته منه في هذا الموضوع، وما وعيته منه رحمه الله في شأن “الرقاة” الذين تفرغوا لرقية الناس – بمضمونه ومعناه، لا بحروفه ومبناه -، وما انتهى إليه بحثه واستقصاؤه وخبرته في هذا الأمر، وكيف ينبغي للمسلم أن يتعامل مع هؤلاء الرقاة، إذا اضطر إليهم، وذلك على النحو الآتي: رأى الشيخ أن التفرغ للرقية، وفتح الدكاكين والمحلات، ونشر الدعاية والإعلانات، من أجل جلب الناس للرقية هو من البدع عنده، وليس من السنة في شيء، وأنه تتبع آثار السلف، وعملهم قرناً بعد قرن، فلم يجد هذا من منهجهم ولا من فعلهم، بل كانوا لا يرقون إلا من طلب منهم، أو جاءت المناسبة من غير ترتيب، فيبادر هذا العالم أو ذاك لرقية مريضٍ اتفق أن يكون موجوداً، فيرى أن الرقية حينئذ من نفع المسلمين التي لا ينبغي التخلي عنها، بل هو مأجور في هذا العمل.

وأضاف الشيخ أنه رأى أن الرقاة تنافسوا في هذا العمل، ومن ثم تسابق الناس إليهم، دون تمييز بين الصادق والكاذب، ولا بين من يرغب في الأجر ممن لا هم له إلا حطام الدنيا، حتى أن بعضهم استغل الرقية لابتزاز الناس، والعبث بهم وبأموالهم، لا سيما أن أكثر رواد هذا المجال هم من النساء.

وايضاً ذكر رحمه الله أنه لما رأى كثرة الرقاة، قرر أن يمتحنهم، فدعاهم إلى منزله ذات صباح، لما كان مسكنه في حي “الشفاء”، واتصل على جميع من كان منهم في الرياض حينئذ، ودعاهم جميعاً، وكان عددهم نحو ثلاثين راقياً، وحدد لهم يوم إجازة، وكان الخميس يومئذ هو الإجازة، وألح عليهم أن يأتوا إليه بعد صلاة الفجر مباشرة، وذكر أنهم جميعاً استجابوا لدعوته، فلما صلى فجر ذلك الخميس، بدا له أن يورد على بيته، فدار حوله يورد عليه، يقرأ القرآن والأذكار المناسبة، وتوقع أنه من كان منهم له علاقة بالجن، أو يستخدم تعاويذ وعزائم غير شرعية، فإنه لن يتمكن من دلالة الطريق إلى منزله، ويرجو أن يحول ورده القرآني بين هؤلاء وبين الدخول، وتناول طعام الفطور عنده، فيعافى هو رحمه الله من حضورهم، ويسلم من حضورهم من كان موجوداً في مجلسه، ممن تمكن منهم من الحضور.

قال رحمه الله: فلما استقر بنا المجلس، وبدأ أولئك الرقاة يتوافدون على بيته، وإذا ببعضٍ منهم يتصلون عليه عن طريق تلفون العملة – إذ كانت وقتها هي المتوفر – يسألون عن موقع البيت، ويشيرون إلى خطأ الوصف الذي زودهم به، ويطلبون إعادة الوصف لهم، فكان الشيخ يحاول التوصيف، ولكنهم كانوا لا يستوعبون ما يقول، أو أنه ربما حيل بينهم وبين الفهم، ولذا لم يتمكن من الحضور إلا سبعة منهم أو ثمانية، والباقي عادوا أدراجهم لفقدانهم الطريق، وعدم قدرتهم الوصول إلى المنزل.

فلما اجتمع أولئك السبعة في مجلسه، احتفى بهم وأكرمهم، ثم وعظهم موعظة بليغة، بيَّن فيها أن ما يقومون به من التفرغ للرقية، وتحويلها إلى حرفة وتجارة ليس من الشرع، وأنه إلى البدعة أقرب، ونصحهم بترك هذا العمل، وأوضح لهم أن كثيراً من الرقاة يبدأون بنية حسنة بقصد نفع الناس، ورغبة في خدمتهم بعلاجهم مما هم فيه، لكنهم من إن يشرعوا في العمل حتى يُبْتلوا بثلاث فتن: إما بالتوسع في الدنيا والحرص على المال، وإما أن يفتتن بعضهم بالنساء اللاتي يأتين إليهم رغبة في التداوي وهنا متبرجات، أو على الأقل وهنا قد أبرزن بعض مفاتهنّ، فيقع هؤلاء الرقاة في النظر الحرام على أقل تقدير، أو أنهم يفتنون بالشهرة والجاه، وتزاحم الناس عليهم، وظهور أسمائهم في الإعلام، إذ يأتي إليهم الكبراء والوجهاء والتجار، ويتحدث الناس عنهم في مجالسهم، وربما دعوا لمنازل أولئك الوجهاء، فيعاملون بأساليب باذخة تذهب بعقل الحليم.

قال رحمه الله: كل ذلك له أثره على دين الراقي وإيمانه، وتقواه وصلاحه، وصدقه وإخلاصه، التي هي مناط تأثير الراقي والرقية، فإذا بأحوالهم التي كانوا عليها تتبدل، وأنفسهم تتغير، إذ كانوا في البداية لا قصد لهم الخير، ولكن أحاطت بهم تلك الفتن: الشرف والمال والنساء، وهن فتن يذهبن بلب العاقل ودينه، وربما شرفه، كما في النصوص الصحيحة عنه ﷺ.

وأفادنا رحمه الله يومئذ بأن أولئك الموجودين السبعة تأثروا بموعظته، نظراً لصدقهم فيما يقومون به، ووعدوه بالتخلي عن هذا العمل بهذا الأسلوب البدعي، والبحث عن طرق مناسبة هي أقرب للمشروع.

ومما ذكره الشيخ رحمه الله في مجلسنا ذاك أن بعض الرقاة بتفرغهم للرقية، يعلنون الحرب على الجن والشياطين، الذين تسلطوا على بعض بني آدم وآذوهم، وأنهم بقرائتهم القرآن على المرضى يؤذون الجن، وربما قتلوا كثيراً منهم، ومن ثم فإن إخوانهم من الجن يسعون للانتقام من الرقاة، فيهاجمونهم رغبة في أخذ الثأر، فإن كان الرقاة على الحال التي كانوا عليها أول مرة، فإن الجن لا يستطيعون الانتقام منهم، لأنهم ما زالوا محفوظين بصلاحهم وتقواهم، وبمداومتهم على القرآن، ومحافظتهم على الصلوات، وكثرة ذكرهم لله جل وعلا، فإذا دخلت عليهم الفتن الثلاث السابق ذكرها، فإن الجن يتمكنون منهم، ويقتحمون عليهم أبدانهم، وبدلا من أن يكون الراقي مؤثراً عليهم، صار الجن هم المؤثرين، وتتبدل الحال، فبعد أن كان معالجاً أصبح مريضاً يحتاج إلى علاج، ثم لا يلبث الأمر أن يستولوا عليه، ويتحكموا فيه، ويستخدمونهم في النهاية لمصالحهم، وذاك هو السر فيما يتناقله الناس من غرايب وعجايب عن بعض الرقاة، إذ تدل تلك الأشياء على أن الجن أصبحوا هم المتحكمين لا العكس..نسأل الله العافية والسلامة.

هذا خلاصة ما سمعته من الشيخ يوسف بمضمونه ومعناه، وذلك في منزله تلك الليلة، ومن ذلك اليوم وأنا أتأمل واقع بعض الرقاة الذين عرفتهم، أو الذين تصلني أخبارٌ تفصيلية عنهم، فوجدت أحوالهم في بيوتهم كما وصف الشيخ، إذ الأمراض فيهم كثيرة، ويتعرضون لحوادث السيارات، والحرائق ونحو ذلك، وشعرت بأهمية كلام الشيخ رحمه الله، وما كان يستشعره من الأخطار المحدقة بالرقاة، التي ربما كان سببها هو مخالفة السنة أولاً، ثم التعرض لأخطر الفتن، التي حذر منها الشارع الحكيم، ولذلك أنذر وحذر، من أن الرقاة يجب أن يتنبهوا قبل أن يبتلوا، فتفسد عليهم تلك الأعمال دينهم ودنياهم، فيندموا، ولات حين مناص.

وأختم بما ختم به الشيخ رحمه الله، إذا أوصى عامة المسلمين، أن يرقوا أنفسهم بأنفسهم، بالقرآن العظيم، والأذكار النبوية المشروعة، إذ هذا هو المشروع، وهو ما كان يفعله ﷺ في نفسه، وأمرنا أن نقتدي به، وأن هذا خير وأنفع للناس من ملاحقة الرقاة، وضياع أوقاتهم، وخسارة أموالهم، فيما يضر ولا ينفع إلا ما رحم الله.

وأشار إلى أن هناك أناس عودوا أنفسهم هذا العمل المشروع، واعتادوا أن يرقوا أنفسهم وأهليهم صباحاً ومساءً، فصحت أبدانهم، وسلمت نفوسهم، وبرأوا من كثير من الأمراض، حتى أن بعضهم لم يعد يحتاج إلى زيارة المستشفى والحمدلله، وما دام الناس اليوم قد تعلموا، وحفظوا ما تيسر من القرآن، فضلا عن معرفتهم للسور التي شرع أن يرقوا أنفسهم وأهليهم بها، فما الحاجة إذن للذهاب إلى الرقاة، طالما كان المسلم يستطيع أن يرقي نفسه لنفسه، ويعالج نفسه بما تيسر من القرآن الذي تيسر له حفظه..والحمدلله.

في تقديري أنني سمعت هذه الفوائد من الشيخ في منزله إما في العام 1417هـ ، أو العام 1418هـ، وقد كنت متردداً في كتابة هذه المقالة عما وعيته منه يومئذ رحمه الله، رغم أهميتها عندي، إلى أن لقيت ابنه الشيخ عبدالمجيد وفقه الله، وعرضت عليه بعض ما وعيته من والده، فوجدت ما لدي متوافقاً مع كثير مما لديه، كما وجدت منه تشجيعاً على كتابتها، فعزمت على ذلك، وهاأنذا قد انتهيت كتابة ما لدي مما سمعته من الشيخ رحمه الله، وزيادة في الاحتياط أرسلتها بعد تدوينها إلى الشيخ عبدالمجيد، فجاءني منه تأييد لما كتبت جزاه الله خيراً، أسأل الله ﷻ أن يغفر للشيخ “يوسف”، ويعفو عنه، ويتغمده بواسع رحمته، وأن يخلف عليه في عقبه، وأن يرد ضال المسلمين إليه رداً جميلاً، والحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

تدوين: محمد بن علي الوشلي الحسني. 20 ذي القعدة 1441هـ

Share on twitter
Share on telegram
Share on whatsapp
Share on facebook